موضوع الحوار بين الأديان ولاسيما مع الإسلام كان محطّ تحليل خاص من جانب سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي. كما ذكّر السفير بموقف الكرسي الرسولي المؤيد للسلام في الشرق الأوسط: "من أجل وضع حدّ للأزمة والعذاب الذي تتكبّده الشعوب من جرائها، لابدّ من اعتماد مقاربة شاملة".
ويذكّر سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي بأنّ إحدى ميزات الكرسي الرسولي تكمن في "عدم امتلاكه مصالح مادية يدافع عنها، حيث تترفع أعماله عن أي مصلحة خاصة" (راجع زينت 22 و24 مايو).
وقد جاء حديث الدبلوماسي اللبناني في مداخلة له في الخامس عشر من مايو الجاري حول "دور التمثيل الدبلوماسي ووظائفه لدى الكرسي الرسولي" في إطار مادة بعنوان "الكنيسة الكاثوليكية والسياسة الدولية للكرسي الرسولي" ضمن دورة حول "السلك الدبلوماسي: السفارات البابوية والتمثيل الدبلوماسي لدى الكرسي الرسولي" جرت في الجامعة الحبرية الغريغورية في روما.
وقد توجهت هذه الدورة الدراسية إلى دبلوماسيين من العالم العربي لتعريفهم على الكنيسة الكاثوليكية بدعوة من مؤسسة "الغريغوريانا" والمعهد الدولي "جاك ماريتان". وترأس الجلسة الكاردينال جان-لويس توران.
يلفت السفير أبي عاصي إلى أنه "يجب أن تتمثل الأولوية في ما يخصكم وفي ما يخص الديبلوماسيين القادمين من دول حوض البحر الأبيض المتوسط ذات الغالبية المسلمة في البحث عن السبل والوسائل التي من شأنها أن تساهم في إرساء سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، مهد الديانات السماوية الثلاث؛ ناهيك عن تفعيل الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات من أجل تعزيز التعارف والفهم والإحترام المتبادل وتبديد سوء التفاهم والخلافات والمفاهيم الخاطئة والعمل معاً على رفع التحديات العالمية الكبيرة التي تعترض الإنسانية جمعاء".
وتساءل: "ما هي أسس الحوار بين الأديان؟ هل من بنى وأسس محددة متوافرة لدينا هنا لكي نطلق هذا الحوار ونواصله؟"، مشدداً على "التلازم بين النواحي الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية" ومنبهاً إلى أنه "يجب التنبه دائماً إلى عدم الخلط بين الحوار بين الأديان والحوار بين الإسلام والغرب".
وأضاف قائلاً: "إن الكنيسة كونية بالفعل وهي تدافع عن قيم كونية تحظر كل أشكال اللجوء إلى القوة والعنف في العلاقات الإنسانية والدولية".
أسس الحوار
وفي إشارة إلى البيان المجمعي Nostra Aetate قال السفير: "ذكر قداسة البابا بندكتس السادس عشر في الكلمة التي وجهها في مقابلته مع سفراء الدول الأعضاء أو المراقبة في منظمة المؤتمر الإسلامي في الخامس والعشرين من سبتمبر 2006 (ذكّر) بما جاء في المجمع الفاتيكاني الثاني، كما هو وارد في بيان "Nostra Aetate" الذي يمثل الجزء الثالث منه شرعة الحوار الإسلامي-المسيحي وفيه: "وتنظر الكنيسة بعين الإعتبار أيضاً إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد الحيّ القيوم الرحيم الضابط الكل خالق السماء والأرض المكلّم البشر. ويجتهدون في أن يخضعوا بكليتهم حتى لأوامر الله الخفية، كما يخضع له إبراهيم الذي يُسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي"".
واستشهد بهذه الفقرة من البيان: "وإذا كانت قد نشأت، على مرّ القرون، منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع المقدس يحض الجميع على أن يتناسوا الماضي وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعززوا معاً العدالة الإجتماعية والخيور الأخلاقية والسلام والحرية لفائدة جميع الناس".
ضرورة حيوية
ثم ذكر مقطعاً من كلمة البابا بندكتس السادس عشر إلى الجماعات المسلمة في كولونيا في العشرين من أغسطس 2005 حين قال: "لا يجوز للحوار بين الأديان والحضارات بين المسيحيين والمسلمين أن يكون خياراً إضافياً فهو ضرورة حيوية يتوقف عليها مستقبلنا".